Archive for November, 2018

الخروج – 3 مشاهد

Posted: November 13, 2018 in Uncategorized

سبتمبر 2018 – نهال صلاح

44837560_2018375058223396_874859875845275648_n

مشهد 1
=====
مكان غير محدد الملامح
اضاءة خافتة تنير بهدوء مكان غير محدد المعالم – الأرض تميل إلى الإصفرار الغامق – وحدوده مبهمة
بقعة الإضاءة الوحيدة الرقيقة على “علي” نراه من ظهره يجلس ضامم ركتبيه الى صدره
تلف الكاميرا ويتبين لنا بروفايله
وهو شاخص ببصره الى الامام فى هدوء ..هدوء تام.
نسمع صوت باباً يفتح
ثم نرى ابتسامة على وجه عماد خافتة كالاضاءة
“علي”: حامد باشا
تُظهِر الكاميرا (بامورس) شخص وهو يجلس أمامه و حوله نفسة الإضاءة الخافتة
(ولم يكن موجوداً من قبل في المشهد الاول)
حامد باشا: علوة ازيك …بقاللك كتير قاعد لوحدك؟
علي : لا مش كتير
حامد باشا: وحد جه و مشي؟؟؟
علي: لا لسة انت اول واحد ….زمان سامى و وائل جايين دلوقتي
نسمع باباً يفتح
تُظهِر الكاميرا حامد باشا وعلي ينظرون لوائل الذى يجلس على زاوية 45 درجة بينهم وحوله نفس الإضاءة الخافتة
وائل: اتأخرت عليكم
علي:- لا حامد باشا لسة واصل – كده فاضل سامي
وائل: ايه جديدك يا حامد باشا
حامد باشا: مفيش مروان منكد على امه – عايز يهاجر امريكا يدرس و يشتغل وهي هارية نفسها عياط
علي : هى مش لسة جايباله العربية اللي كان برضه قالب الدنيا عليها وكان فرحان لحق يقلب!
نسمع صوت باب يفتح ونرى حامد باشا ينظر فى اتجاه عماد للشخص القادم من خلفه
حامد باشا: أهو سامى وصل
يجلس سامى على الجهة المقابلة لوائل وعليه نفس الإضاءة الخافتة
سامى: علوة ازيك.. ازيكم يا اشاوس ..ايه أخر الأخبار؟
وائل: مروان بن حامد باشا منكد على الست الوالدة وعايز يهاجر امريكا
يضحك ضحكة فيها استخفاف وينظر لحامد ويربط على كتفه
لعله خير ..انا داليا عايزة تطلق
علي: و انت شايف ايه ..
سامي: انا عارف انها مش سعيدة مع جوزها بس قلقان انها تقدر تربي العيال لوحدها والناس مش هتسيبها فى حالها وهي اضعف من انها تواجه كل ده
نسمع طرق على على باب بطيئ ضعيف و كانه سأم الفعل ….خبطتين فى بطئ ثم سكوت ثم خبطتين ثم سكوت
يطبق صمت مهيب وتظهر الكاميرا الأربعة يتبادلون نظرات الشفقة وانعدام الحيلة
علي: ده عبد الله – بقاله كتير مخرجش وقعد معانا.. وحشنا!
وائل: فى محاولة للتشويش على اللحظة وثقلها – ما تيجى يا سامي نجوز بنتك لمحمد اخويا هو كده كده مكسل عن فكرة الجواز والخلفة بس لو الموضوع جاله باكدج جاهزة ممكن يدوس!
ييتسموا كلهم بهدوء
نسمع باباً يفتح ونرى أحدهم ينضم إلى المجموعة مصاحب بنفس الإضاءة الباهتة! و يتوجه اليهم فى تردد
علي: اتفضل معانا انت مين بقى؟
انا فؤاد لسة واصل امبارح و مش عارف اى حاجة خالص
علي: ( مبتسماً)
اولا: نورتنا
ثانيا: احنا بنجتمع هنا كل فترة – ومحدش بيبقى عارف امتى مين جى ومين ماشى – زى مانت شرفتنا دلوقتى كده وجايز كمان شوية نلاقى ناس تانية معانا.
نسمع طرق على باب مختلف عن المرة الأولى – خبط متلاحق مُلِح –
يطبق الصمت المهيب مرة اخرى وتدور الكاميرا بينهم لتنقل لنا ردود أفعالهم لهذا الطًرق بين مطاطأ لراسه ومن يضغط على شفته السفلى وترغرغ عيناه وبين من يدفن ذقنه على ذراعيه المعقودين امامه مستندين على ركتبيه المرفوعتين!
فؤاد: وهو فى حالة توترو إعياء وإنهاك –
و انا مش فاهم حاجة.. انا فين وإيه الخبط ده وانتم مين !
علي: اول حاجة مش عايزك تقلق – هنا محدش لا بيإذى و لا بيتأذى هشرحلك كل حاجة بس ممكن تقولنا جيت هنا ازاى؟
فؤاد: انا صاحب شركة برمجيات و متجوز و مبخلفش من 5 سنين تعبت أوى واكتشفت ان عندى مرض نادر فى المناعة – سافرت ألمانيا وإتعالجت او يعنى نجحت أول مرحلة فى العلاج وقالولى انها اصعب مرحلة لو نجحت يبقى 50% من العلاج تم وإحتمالية انى اشفى تماما هتعدى الـ 90%..
رجعت أنا وهند مراتي – وكنت حاسس انى اتولدت من جديد مبقتش زعلان انى مبخلفش و مبقتش زهقان من كم المشاكل اللى فى الشغل مبقتش مضايق من صحابى و زنهم مبقتش اضايق لما قرايبى او صحابى يطلبوا منى اعين ولادهم او اجيبلهم واسطة.. اتغيرت اوى حسيت انى عايز اعيش واستمتع – كفاية ان الألم اللي كان مبيخلنيش قادر اروح الحمام – اختفى .. كفاية ان الصداع اللى مكنتش بعرف انام منه لدرجة اني كنت بعيط مبقاش يجيلى بليل .. وقررت انا وهند نعمل دار للأيتام بس مكناش عايزينه دار عادي – كنا عايزين نطلع منه قادة وفنانين ورسامين
نسمع صوت باب بيفتح وأحدهم يجلس و يشير بيده يحيى الحضور

فؤاد ينظر له في تساؤل
علي يرد التحية يومئ براسه بابتسامة خفيفة
ثم يشير بيده لفؤاد عشان يكمل
كمل يا فؤاد
بس – عملنا الملجأ و بقى عندنا 30 طفل و شاب انا كنت بروح بليل دايماً أقعد معاهم يحكولى عملواإايه فى محاضرات الصبح وأسمع لو ليهم اى طلبات او اقتراحات، كان فيه ولد جبناه من خرابة فى الكيلو 4 و نص و كان فاقد الوعي ومعفن و شكله مستحماش من سنين – سميناه شريف – هو كان مسمى اسمه كابو –
صوت الخبط البطىء يتكرر
فؤاد : متسائلاً و ناظرا لـ علي و الأخرين : مين اللى بيخبط
علي – فى اصرار على تجاهل الصوت و الخبط : كمل يا فؤاد
فؤاد: المهم كابو او شريف ده كان مدمن و كنا بنعالجه – لما رحت يومها لقيته بيلف ومعاه اتنين من العيال – خرجت عن شعوري و هزأته جامد و رميت السجارة من ايده و قلتله انى هحبسه – طلع مطوة و ضربنى فى رقبتى.. نقلونى على المستشفى
وبس .. جيت هنا و كنت قاعد لوحدى فى اودة و بعدين لقيت الباب بيتفتح و لقيتكم
سامى: حمد الله عالسلامة
بص يا سيدى احنا كلنا عندنا أوضة وبنطلع منها بس مبنعرفش إمتى الا علوة ..دايماً نيجى نلاقيه فى أي وقت فى اليوم
وائل: قر عليه بقى
سامى: ربنا يخليله أمه بتدعيله من الفجر للعشا
وأنا ربنا يخليلى بنتى بتدعيلى كل ما تفتكر
وائل: أنا أخويا محمود – يظهر باوحشه اوى فالحمد لله ممكن اقعد القعدة الحلوة دى مرتين فى الشهر مثلاً
حامد: انا بقى كل يومين مثلا مراتي بتقعد تشكيلي من ابننا و مشاكله و الحمد لله مبتنساش بعد وصلة النكد تجود عليا بدعوة كده تجيبني عند الناس الحلوة دى …بس ابني مشغول أوى فى حياته – يظهر مبجيش على باله اصلا..او جايز ابن الكلب ده يكون بيدعى عليا
( يضحك الجميع ضحك مكتوم)
فؤاد ينظر بحزن و يشرد بفكره..يسمع الخبط المتكرر الملح – ينظر الى مصدر الصوت
فؤاد: ودول طبعا اللى نفسهم يطلعوا ومحدش افتكرهم بدعوة
علي: دول اللي ربنا لسة مأذنش بخروجهم بس مسيرهم حد هيفتكرهم بدعوة حلوة وييجوا يقعدوا معانا ونتعرف عليهم
فؤاد – أنا اللى خرجنى – الدادا اللي شغالة فى الملجأ اترحمت عليا و طلعت 5 جنيه صدقة لقيت باب الأوضة فتح وانتم قاعدين

فجأة خفتت هالة النور على علي …و اختفى إختفاء تدريجى…
تبادل الجميع نظرات حزينة مسلوبة من كل إرادة و فى حالة استسلام تام!

مشهد2
=====
مدفن
فى اللحظات الاخيرة لدفن المتوفى ثم يبدأ الشيخ فى قراءة القرآن – اعداد كبيرة من الشباب و الاطفال و كبار السن
زووم ان على سيدتين فى طريقهم الى الخروج من المدفن!
السيدة الأولى :”حبيبتى ام علي صبرت و احتسبته عند ربها” –
السيدة الثانية: “كانت دايما تقول ربنا مخليني عشان ادعيله لحد اما اروحله و اقعد معاه و اتونس بيه”
ربنا يرحمها ويجمعها بيه فى الجنة يارب ….مكانش فيه اطيب منها!

مشهد3
====
مكان غير محدد الملامح مشابه للي كان فيه المجموعة و لكن فيه “أم علي” تجلس فى نفس مكان علي تقترب منها الكاميرا وتدور لتظهر لنا بروفايلها
ثم نسمع بابا يفتح فتنظر لـ علي وتبتسم فى هدوء.
فيد اوت.

قصة قصيرة – نهال صلاح 
سبتمبر 2018

44787661_2014317228629179_7116838367991431168_n
الساعة السادسة صباحا – يقف “سيد” فى البلكونة و يحتسى كوب الشاى الصباحى المعتاد – ينحنى و يتفقد هدوء المنظر فهو لا يسمع و لا يتكلم و لذا الهدوء هوذلك السكون التام فى الحركة و الاحداث فى شارع نابض بحركة رجال اعمال الروبابيكيا و الانابيب و الخضار و غزل البنات.
الحركة الوحيدة التى تخترق هذا السكون هى حركة جاره “جابر” الذى يسكن فى الشرفة اسفله وهو رجل – يبصر بقلبه فقط و يتحرك وفقا لما ترصده اذناه و تطمئن له يداه و عصاه – هو فى مثل عمره فى عقده السادس انتقل فيها منذ سنتين ليعيش وحيدا مع عصفورين كناريا – يستيقظ يوميا الساعة السادسة و النصف صباحا ليفرغ درج الطعام فى كيس بقالة بلاستيك – و يفرغ من كوب بلاستيك لونه احمر حبوب الفطار الطازجة للحبيبين الذين يبدو من حركاتهم و قربهم و تعانق مناقيرهم الدائم و ارتفاع صوصوتهم المتناغم انهم فى حالة عشق و هوى – ثم يجلس بسكون يحتسى قهوته التى يعدها على السبرتاية بعد سلسلة من التلامس المنتظم المحسوب..
و لكن لفت نظره فى هذا الصباح انه يوجد عصفور واحد فقط فى القفص و هو فى حالة هياج عنيفة يتحرك من اليمين الى الشمال و من اعلى لاسفل ثم ظل يحرك جناحيه بعنف و سرعة و قوة ثم سقط فى وسط القفص بلا حراك و لا روح – نظر الى ساعته فوجدها السادسة و 22 دقيقة – بعد 8 دقائق سيخرج “جابر” ليقدم وجبة الفطارالمعتادة – و لكن.. هل يعلم ان يوجد عصفوراً واحداً فقط – و ماذا سيشعر اذا ما علم ان هذا العصفور سكن و كف عن الحراك هو الاخر! لابد ان ذلك سيفطر قلبه.
قرر “سيد” ان يبدلهما له و لكن عليه ان يجد طريقة للدخول الى شقة جابر و استبدال العصافير- ربما يضرب جرس الباب و لان جاره لا يبصر قد تكون ميزه لدخول البيت دون ان يراه – و لكن كيف يدخل دون ان يشعر به فالضرير تتعاظم حواسه الاخرى و سوف يسمع خطواته والعصافير معه قد تطلق اصوات التى لن يسمعها هو هى الاخرى – فهو لا يسمع – و لا يستطيع ان يتحجج انه كشاف النور لانه لا يتكلم – قد تتعاقب احداث لا يحمد عقباها – تخيلاته لإختراق الشقة و عبوره الى بلكونة “جابر” و استبدال العصفورين قطعتها فكرة اخرى اكثر الحاحاً – كيف يستطيع ان يخفى عنه ان عصفوره مات و عصفوره الاخر مفقود حتى يتم عملية الاستبدال– فالساعة الان 6:25 دقيقة – خمس دقائق و يخرج جابر ليتم روتينه اليومى المعتاد!
حضرت فكرة “لسيد” قد تساعده فى اخفاء الحقيقة المؤلمة على جاره – و تشترى له الوقت الذى يحتاجه ليستبدلهما – فتح موبايله و قام بكتابة ” اصوات عصافير كناريا” فى جوجل – ثم ضغط على “فيديوهات” و بعد قراْة متأنية لعديد من التعليقات الشارحة للفيديوهات اختار فيديو “لحظة استقبال عصفورين الكناريا لفطارهم الصباحى” مدته 3 دقائق وضعه فى حالة الاستعداد.
ثم دخل المطبخ و احضر عصاة طويلة كانت لماسحة بَلًت شراشيبها – تدلى من البلكونة ليشهد لحظة دفع جابر لشيش بلكونته و بدء طقوس إطعام الحبيبين – رأى الشيش يتحرك فعلم انها لحظة البداية فقام بتشغيل الفيديو و قام ينغز القفص بهدوء ليعطى نفس الحركة التى كانت تتسبب بها تحرك العصفورين فرحا بأول وجبات اليوم.
قام جابر بعمل روتينه المعتاد – او الجزء الاول من روتينه المعتاد و هو تفريغ الدرج فى كيس البقالة الفارغ. ثم وقف للحظة و توجه بنظره للشارع ووجه نظارته السوداء الى اعلى قليلا فانتفض سيد قبل ان يتذكر ان جابر لا يمكن ان يراه فهو ضرير.
تحرك “جابر” بالكيس البلاستيك الى داخل الشقة ….شب “سيد” محاولا ان يفهم اين ذهب و لماذا لم يفرغ الطعام الجديد من الكوب الاحمر البلاسيتك فى الدرج كما اعتاد – هل فشلت خطته فى خداعه؟ – هل كان الفيديو به اصوات اخرى مع العصافير – و لكن الشرح مع الفيديو يؤكد انه اصوات الكناريا الفرحة و لم يذكر اى شيء عن اصوات اخرى و يؤكد ذلك اللقطات فى الفيديو للعصافير تتحرك يمينا و يسارا كما كانا عصفورين “جابر” يفعلوا تماما…
و قطعت سلاسل حيرته بخروج “جابر” مرة اخرى – فقام “سيد” مسرعا بتشغيل الفيديو و نكز القفص بعصاه – و فجأة وجد “جابر” يمسك بالعصاه -و يضع عليها ورقة و يثبتها بمشبك و ينظر قليلا الى اعلى و يبتسم.
تجمد “سيد” للحظة و تردد قبل ان يسحب العصاة و لكنه فعل – فتح الورقة
“لقد علمت انه لن يقوى ان يحيا بدون وليفه – فوضعت له دواء يُسكِنه – شكرا على رقة مشاعرك و قلبك. لم يهتم احد لما اشعر به منذ عمر طويل”.