قصة قصيرة – تيمة الأعمى و الأصم – تلامُس

Posted: November 13, 2018 in Uncategorized

قصة قصيرة – نهال صلاح 
سبتمبر 2018

44787661_2014317228629179_7116838367991431168_n
الساعة السادسة صباحا – يقف “سيد” فى البلكونة و يحتسى كوب الشاى الصباحى المعتاد – ينحنى و يتفقد هدوء المنظر فهو لا يسمع و لا يتكلم و لذا الهدوء هوذلك السكون التام فى الحركة و الاحداث فى شارع نابض بحركة رجال اعمال الروبابيكيا و الانابيب و الخضار و غزل البنات.
الحركة الوحيدة التى تخترق هذا السكون هى حركة جاره “جابر” الذى يسكن فى الشرفة اسفله وهو رجل – يبصر بقلبه فقط و يتحرك وفقا لما ترصده اذناه و تطمئن له يداه و عصاه – هو فى مثل عمره فى عقده السادس انتقل فيها منذ سنتين ليعيش وحيدا مع عصفورين كناريا – يستيقظ يوميا الساعة السادسة و النصف صباحا ليفرغ درج الطعام فى كيس بقالة بلاستيك – و يفرغ من كوب بلاستيك لونه احمر حبوب الفطار الطازجة للحبيبين الذين يبدو من حركاتهم و قربهم و تعانق مناقيرهم الدائم و ارتفاع صوصوتهم المتناغم انهم فى حالة عشق و هوى – ثم يجلس بسكون يحتسى قهوته التى يعدها على السبرتاية بعد سلسلة من التلامس المنتظم المحسوب..
و لكن لفت نظره فى هذا الصباح انه يوجد عصفور واحد فقط فى القفص و هو فى حالة هياج عنيفة يتحرك من اليمين الى الشمال و من اعلى لاسفل ثم ظل يحرك جناحيه بعنف و سرعة و قوة ثم سقط فى وسط القفص بلا حراك و لا روح – نظر الى ساعته فوجدها السادسة و 22 دقيقة – بعد 8 دقائق سيخرج “جابر” ليقدم وجبة الفطارالمعتادة – و لكن.. هل يعلم ان يوجد عصفوراً واحداً فقط – و ماذا سيشعر اذا ما علم ان هذا العصفور سكن و كف عن الحراك هو الاخر! لابد ان ذلك سيفطر قلبه.
قرر “سيد” ان يبدلهما له و لكن عليه ان يجد طريقة للدخول الى شقة جابر و استبدال العصافير- ربما يضرب جرس الباب و لان جاره لا يبصر قد تكون ميزه لدخول البيت دون ان يراه – و لكن كيف يدخل دون ان يشعر به فالضرير تتعاظم حواسه الاخرى و سوف يسمع خطواته والعصافير معه قد تطلق اصوات التى لن يسمعها هو هى الاخرى – فهو لا يسمع – و لا يستطيع ان يتحجج انه كشاف النور لانه لا يتكلم – قد تتعاقب احداث لا يحمد عقباها – تخيلاته لإختراق الشقة و عبوره الى بلكونة “جابر” و استبدال العصفورين قطعتها فكرة اخرى اكثر الحاحاً – كيف يستطيع ان يخفى عنه ان عصفوره مات و عصفوره الاخر مفقود حتى يتم عملية الاستبدال– فالساعة الان 6:25 دقيقة – خمس دقائق و يخرج جابر ليتم روتينه اليومى المعتاد!
حضرت فكرة “لسيد” قد تساعده فى اخفاء الحقيقة المؤلمة على جاره – و تشترى له الوقت الذى يحتاجه ليستبدلهما – فتح موبايله و قام بكتابة ” اصوات عصافير كناريا” فى جوجل – ثم ضغط على “فيديوهات” و بعد قراْة متأنية لعديد من التعليقات الشارحة للفيديوهات اختار فيديو “لحظة استقبال عصفورين الكناريا لفطارهم الصباحى” مدته 3 دقائق وضعه فى حالة الاستعداد.
ثم دخل المطبخ و احضر عصاة طويلة كانت لماسحة بَلًت شراشيبها – تدلى من البلكونة ليشهد لحظة دفع جابر لشيش بلكونته و بدء طقوس إطعام الحبيبين – رأى الشيش يتحرك فعلم انها لحظة البداية فقام بتشغيل الفيديو و قام ينغز القفص بهدوء ليعطى نفس الحركة التى كانت تتسبب بها تحرك العصفورين فرحا بأول وجبات اليوم.
قام جابر بعمل روتينه المعتاد – او الجزء الاول من روتينه المعتاد و هو تفريغ الدرج فى كيس البقالة الفارغ. ثم وقف للحظة و توجه بنظره للشارع ووجه نظارته السوداء الى اعلى قليلا فانتفض سيد قبل ان يتذكر ان جابر لا يمكن ان يراه فهو ضرير.
تحرك “جابر” بالكيس البلاستيك الى داخل الشقة ….شب “سيد” محاولا ان يفهم اين ذهب و لماذا لم يفرغ الطعام الجديد من الكوب الاحمر البلاسيتك فى الدرج كما اعتاد – هل فشلت خطته فى خداعه؟ – هل كان الفيديو به اصوات اخرى مع العصافير – و لكن الشرح مع الفيديو يؤكد انه اصوات الكناريا الفرحة و لم يذكر اى شيء عن اصوات اخرى و يؤكد ذلك اللقطات فى الفيديو للعصافير تتحرك يمينا و يسارا كما كانا عصفورين “جابر” يفعلوا تماما…
و قطعت سلاسل حيرته بخروج “جابر” مرة اخرى – فقام “سيد” مسرعا بتشغيل الفيديو و نكز القفص بعصاه – و فجأة وجد “جابر” يمسك بالعصاه -و يضع عليها ورقة و يثبتها بمشبك و ينظر قليلا الى اعلى و يبتسم.
تجمد “سيد” للحظة و تردد قبل ان يسحب العصاة و لكنه فعل – فتح الورقة
“لقد علمت انه لن يقوى ان يحيا بدون وليفه – فوضعت له دواء يُسكِنه – شكرا على رقة مشاعرك و قلبك. لم يهتم احد لما اشعر به منذ عمر طويل”.

Leave a comment